الابعاد الاخلاقیة والتربویة للصوم | ||
الابعاد الاخلاقیة والتربویة للصوم
سعید محمد الانسان محور الکون، والطبیعة التی خلقها الله سبحانه وتعالى انما هی لخدمة هذا الانسان، ولذلک احلّ الخالق تعالى لعباده التمتع بالطیبات من الرزق، وهذه الطیبات هی کل ما تحتویه الارض على سطحها وفی باطنها وفی اجوائها، بل ان الشمس نفسها توفر مصدر نور لهذا الانسان، فکانها خلقت لتکمل راحته فیعیش ملکا یتلذذ بما توفره النعمة الالهیة: ((هو الذی جعل لکم الارض ذلولا، فامشوا فی مناکبها وکلو من رزقه)). هذه النعم الالهیة على هذا الانسان تستوجب الشکر الدائم لله سبحانه وتعالى الذی وفّرها واحسن خلقها لتناسب ذوق الانسان وطبیعته ووسائل الشکر کثیرة، واهمها الامتثال لاوامر الله والانتهاء عن نواهیه. ولیس غریباً اذاً أن یکون عقاب الله للعاصی شدیداً، لان المعصیة تعنی جحود النعمة ونکران المنن. وصوم شهر رمضان المبارک عبادة متمیزة جعلها الله من الوسائل التی تُعین الانسان على التدبر فی امره ومراجعة نفسه لیتأکد من سلامة سیرته وانسجامها مع ما یرید الله منه. وحین یأتی الامر الالهی لهذا الانسان بالصوم فان ذلک لا یعنی حرمانه من التلذذ بالطیبات. فهو یمتنع عن الاکل والشرب ساعات محددة یعود بعدها للتمتع بکل ذلک، والهدف من هذا التمرین النفسی ـ الجسدی انما هو صیاغة حیاة الانسان بشکل یجعله قادرا على القیام بدوره کشاهد على الناس من جهة ولکی تتضاعف سعادته بالانصیاع لشریعة الله التی توافق بین قوانین الطبیعة والقوانین الاجتماعیة فی حیاته من جهة أخرى: ((وان لو استقاموا على الطریقة لاسقیناهم ماء غدقا)) ولا یمکن النظر الى قوانین الاسلام المرتبطة بحیاة الانسان وسلوکه الا من خلال هذا المفهوم. فالتکامل بین الخالقیة والربوبیة فی الذات الالهیة یجعلنا مؤمنین بصلاحیة الشریعة الاسلامیة للتحکم فی حیاة الانسان وادارتها، لان مصدرها هو مصدر الحیاة فی هذا الکون، وحیث اقتضت شریعة الله ان یصوم المسلم شهر رمضان المبارک. فلیس هناک مجال لعدم الانصیاع للامر الالهی، الا ان یتحرک الانسان فی اطار تفکیره عنادا ویصر على مخالفة امر خالقه، وهو امر منافٍ للذوق الفطری السلیم الذی یقتضی الابتعاد عن مواقع الخطر ومواطن الاذى. من هنا فنحن مقتنعون بامر الله ونهیه، فاذا کان الله سبحانه وتعالى قد اجاز للانسان التمتع بالاکل والشرب بکل ما لا ضرر فیه، وان تناول هذه النعم مفید لجسم الانسان فان منع الله الانسان من الاکل والشرب خلال النهار لمدة ثلاثین یوما لابد أن ینطوی على ما فیه خیر الانسان وسلامته. هذا من الناحیة العقلیة،ومن الناحیة العلمیة لا نجد ضرورة للاستدلال بآراء العلماء والاطباء فی منافع الامتناع عن الطعام لفترات محددة، بل ان بعض الحمیة یقتضی ذلک ضرورة، والذین یهتمون برشاقة اجسامهم ویبذلون الجهد للتخلص من السمنة یجدون فی شهر الصوم فرصة مناسبة لتحقیق ذلک، ولا ضیر فی ان یستفید الانسان من هذا ویفرح به على اساس کونه یوفر فرصة التخلص من بقایا الحیاة المعتادة التی کثیراً ما یفقد الانسان فیها السیطرة عن نفسه وعلى شهواته ورغباته. اننا نرى فی صوم شهر رمضان موسماً عامراً بالعبادة والسمو وصفاء القلب وانفتاح الروح على خالقها، ونتمنى ان یتفاعل الشباب المؤمن مع ایام هذا الشهر ولیالیة وکل خشوع وتذلل لله سبحانه وتعالى وتفاعل مع الحیاة التی من حولها من منطلق الرغبة فی جعلها تصلی معه وتصوم، وتبتعد فی شؤونها عن الشیطان وما یزینه فی نفس الانسان من فحشاء وذنب وظلم واضطهاد للآخرین وسوء استغلال للموقع السیاسی او الاجتماعی. کما ندعو الله سبحانه وتعالى ان لا یجعل بطون الصائمین الجامعة تشتکی من الظلم والاضطهاد والقمع، انه سمیع مجیب.
| ||
الإحصائيات مشاهدة: 1,784 |
||