عناصر النظرة الإسلامیة إلى المرأة | |||||||||||
عناصر النظرة الإسلامیة إلى المرأة
مشارکة المرأة والرجل فی الإنسانیة تؤمن أکثر المدارس الفکریّة القدیمة والعلماء المتقدمون، بأنّ المرأة لیست نظیرة للرجل فی المرتبة الإنسانیّة. ففی الیونان القدیم کان البعض یعتقد بأن المرأة أقل وأدنى مرتبة من الحیوانات. وحتى أنهم کانوا یعتبرون المرأة من سلالة شیطانیة. کان سقراط کبیر فلاسفة الیونان یعتبر وجود المرأة أکبر مصدرٍ لانحطاط البشریة. وکان فیثاغورس، العالم الیونانی، یعتقد بأنّ هناک: مبدأ جید خلق النظام والنور والرجل؛ وأن هناک مبدأ سیء خلق الفوضى والتوتر والمرأة. وکان أرسطو یعتقد بأنّ المرأة لیست سوى رجل فاشل ونتیجة خطأ طبیعی ونقص فی الخلقة. وکان أرسطو یعتقد، بأن الطبیعة عندما تعجز عن خلق الرجل تخلق المرأة، فالنساء والعبید، طبقاً للطبیعة، محکوم علیهم بالأسر، ولیسوا مستحقین للمشارکة فی الأعمال العامة. فکتاب الیهود المقدس والعهد القدیم یعتبران حواء سبباً لذنب آدم ومسؤولة عن خروجه من الجنة. فالرجال الیهود یشکرون الله فی دعاء المراسم الصباحیة؛ لأنه لم یخلقهم نسوة. فالمسیحیة التی تأثرت بالدین الیهودی ووجهات نظر الرومان والیونان کانت تعتبر المرأة سبباً لذنوب الإنسان الأوّل ولذلک یرى کثیر من المسیحیین أنّ ذنب آدم قد تأصل فی جوهر الإنسان. وعلى هذا، فإنّ الإنسان یولد مذنباً باستثناء عیسی علیه السلام ومریم علیها السلام. ومن هنا، یتحدد دور المرأة (حواء) فی ارتکاب الذنوب من قبل الإنسان على سطح الأرض. فالسبب الذی یجعل المسیحیین یمیلون إلى الرهبانیة ویفضلون البقاء عزّاباً هو اعتبارهم الارتباط بالمرأة أمراً عغیر مناسبٍ. وفی عام 568 میلادیة عقد مؤتمر فی فرنسا حتى لدرس مسألة أن المرأة إنسان أم لا؟ وکان توما الأکوینی أشهر عالم مسیحی فی القرون الوسطى یعتقد بأن المرأة لاتنسجم مع أول هدف للطبیعة أی البحث عن الکمال. بل تنسجم مع الهدف الثانی لها أی للحیاة الروحیة القبح والضعة والخور. فالتعامل العملی مع المرأة کان على أساس هذه النظرة. ففی قانون بریطانیا کانت المرأة ملکاً للرجل، وکان الرجل بإمکانه أن یبیعها متى شاء. ویکن القول: إنّ الحرکات المدافعة عن حقوق المرأة فی القرون الأخیرة، کانت رداً طبیعیاً، ولیست رداً صحیحاً على موقف الثقافة الغربیّة من المرأة التی کانت تعتبر المرأة نصف إنسان. ومن الطبیعی، أن تنشأ مدارس فکریّة تعتبرر الرجل سبباً لکل مصائب المرأة وتعتبر المرأة هی الجنس الأفضل. وفی المقابل یمکن وصف موقف الإسلام من المرأة بأنّه موقف تقدّمی وفی نفس الوقت متوازن. فالإسلام یعتبر المرأة إنساناً کالرجل ولها ثلاث خصائص إنسانیة مهمة؛ أی الاختیار وتحمّل المسؤولیة وقدرتها على الترقی والکمال وهی مثل الرجل تماماً لها القدرة على الرشد والنجاح: ((یوم ترى المؤمنین والمؤمنات یسعى نورهم بین أیدیهم وبأیمنهم بشرئکم الیوم جنت تجری من تحتها الأنهار خلدین فیها ذلک هو الفوز العظیم)). ونجد بین النساء من یصفهن القرآن والحدیث الشریف بأنهن محدّثات من الملائکة وموضع اهتمام الأنبیاء، وموصوفات بالکوثر من قبل الباری تعالى. وهذا ما یظهر علوّ شأن الشخصیّة الإنسانیة للمرأة ومراتب الکمال عندها. وإن أوضح آیة تدل على کمال المرأة ذکر مریم وآسیة باعتبارهما نماذج لیس فقط للمرأة بل نماذج للرجل والمرأة المؤمنة معاً. ((وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِینَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِی عِندَکَ بَیْتاً فِی الْجَنَّةِ وَنَجِّنِی مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِی مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِینَ* وَمَرْیَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِی أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِیهِ مِن رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِکَلِمَاتِ رَبِّهَا وَکُتُبِهِ وَکَانَتْ مِنَ الْقَانِتِینَ)). وتظهر قمة الشخصیّة الإنسانیّة للمرأة عندما یجعل الحجة بن الحسن العسکری امرأةً قدوته، عندما یقول: ((فی ابنة رسول الله لی قدوة حسنة)). هذا وقد ظهر بین العلماء المسلمین من یرى المرأة موجوداً أدنى مرتبة من الرجل فی الکمال الإنسانی، ویبدو أن هؤلاء تأثروا ببعض المفکرین الغربیین مثل أرسطو أو تأثروا بالمعتقدات السائدة فی عصرهم. وربما یمکن تفسیر الکلام بعضهم بأنهم یریدون وجود بعض النقص فی القابلیّات ولیس النقص فی الکمال الإنسانی. ومن جهة أخرى، فإنّنا نرى فی الروایات أحادیث تخالف ما قیل سابقاً؛ ولکن أکثر الروایات المذکورة التی تتحدّث عن وجود النقص فی المرأة تدل على أن المرأة لیست أقل منزلة فی الإنسانیة من الرجل. هذه الروایات ترى وجود تفاوت فی قابلیات المرأة والرجل، وهذا لا یظهر وجود عیب فی خلق المرأة بل هو من لطائف الخلق؛. ولکن سائر الروایات تنتقد المرأة لاستخدام استعداداتها النسویة فی الطریق الخاطئ؛ وربما کانت تلک الأخبار بصدد الحدیث عن نماذج محددة للنساء ولیس عن صنف المرأة بشکل عام.
خلق المرأة یتهم کثیرٌ من الغربیین والمتغرّبین الإسلام بأنّه جعل المرأة جنساً ثانیاً أدنى من الرجل؛ حیث تقوم المرأة بدور طفیلی فی الخلق. ویقول هؤلاء لإثبات مدّعاهم بأن الأدیان الإلهیة تعتبر خلق أول امرأة (حواء) جاء بعد الرجل ومن الضلع الأیسر لآدم. ولایخفى أن هذه الفریة هی تهمة ملفّقة للدین الإسلامی وجاءت إثر عدم فهم المعارف الإسلامیة. فالانتباه للنقاط التالیة سیوضح الموضوع ویزیل بض نقاط الغموض والالتباس: أولاً: من وجهة نظر القرآن، فإنّ الهدف من خلق المرأة والرجل هو عبادة الله والتقرب إلیه وأن المرأة مثلها مثل الرجل خلقت للوصول إلى هذا الهدف. وإن اعتقادنا بأن خلق المرأة والرجل هو من أجل وصول کل منهما إلى الکمال. ولیس الأصل کمال الرجل والمرأة تکون فقط أداة لوصول الرجل إلى الکمال. وطبیعی أن أصالة الخلق فی المرأة والرجل لیست بهذا المعنى؛ إنّ کلاً منهما یمکن أن یصل إلى کماله من دون الآخر؛ بل إنّ المرأة والرجل لدیهما دور مؤثر فی کمال أحدهما الآخر وفی الواقع یکمل أحدهما الأخر. ثانیاً: سوف نلاحظ أنّ الآیات القرآنیة تؤکّد على أن خلق حواء جاء بعد خلق آدم؛ ولکن هذا لایدلّ على أن المرأة أدنى شاناً من الرجل وتابعةً له؛ لأنّ خلق المرأة بعد خلق الرجل هو من نوع الترتیب الزمنی ولیس الترتیب فی الدرجة والمنزلة. ولایمکن أن نفسر خلق حواء بعد خلق آدم على أن خلق الرجال تقدم على خلق النساء. ثالثاً: خلافاً لرأی بعض المثقفین، فإنّ القول بخلق المرأة من جسم الرجل ومن ضلعه الأیسر لیس دلیلاً على أن المرأة جنس ثانٍ وأدنى مرتبة. من المؤسف أن هذا الخطأ قد تکرر من جانب الکتاب الشباب المتحمسین؛ حیث یبدلون النزاع بشان دونیة النساء إلى نزاع آخر وهو هل أن المرأة خلقت من جسم الرجل أو أنها خلقت بصورة مستقلة. وحتى إذا ثبت أنّ المرأة خلقت من جسم الرجل، فإنّ هذا یعنی على أکبر تقدیر، أن المرأة من الناحیة الجسمیة فرع من الرجل، لا أن وفی المقابل لایمکن اعتبار هذه الروایات من الإسرائیلیات لمجرّد مطابقتها للتوراة. النوع الثانی: الروایات التی تنفی بصراحة خلق حواء من الضلع الأیسر لآدم الأمر الذی متداولاً فی ذلک الوقت. وطرحت إشکالات على هذه النظریة. النوع الثالث: الروایات التی یمکن أن تکون شاهداً على الجمع بین النوعین السابقین. ومضمون هذه الروایات یقوم على أن الله خلق حوّاء من الطین المتبقی من الضلع الأیسر لآدم ولم یخلقها من جسم رجل. وعلى هذا یمکن الاستنتاج أن الروایات من النوع الأوّل إن کانت قد صدرت عن الإمام المعصوم، فإنهم کانوا یقصدون ذلک ولیس بالمعنى الذی کان منتشرا بین عامة المسلمین. وإذا کانت کلمة ((من)) فی الآیات المذکورة للجنس، فإنها تتلاءم مع الاحتمالات الثلاثة. لکن أیاً من الاحتمالات الثلاثة لایتنافى مع أصالة خلق المرأة؛ لأن بحثنا فی الحقیقة هو المرأة والأصالة فی هدف خلق المرأة، ولیس خلق جسم المرأة، والرجل أو آدم وحواء. | |||||||||||
المراجع | |||||||||||
| |||||||||||
الإحصائيات مشاهدة: 2,043 |
|||||||||||