شبهات حول الزواج | ||
شبهات حول الزواج صدیقة الموسوی قلنا فی السابق أنه قد یقال عن الصداق أنه ینطوی هذا الأمر على إساءة إلى شخصیة المرأة ، ویسبغ هذا الأمر صبغة البیع والشراء على مشروع الزواج. وللجواب على هذه الشبهة، نقول: إن هذه الأمور هی التی تدفع بالبعض إلى أن یعارضوا بشدة مبدأ المهر ومسألة الصداق ، ویقوى هذا الاتجاه لدى المتغربین خاصة ما یجدونه من عدم الأخذ بهذا المبدأ فی الزیجات الغربیة ، فی حین أن حذف الصداق والمهر من مشروع الزواج لیس من شأنه رفع شخصیة المرأة فقط ، بل یعرض وضعها للخطر . وتوضیح ذلک هو ، أنه صحیح أن المرأة والرجل یستفیدان من مشروع الزواج ، وإقامة الحیاة الزوجیة على قدم المساواة ، ولکن لا یمکن إنکار أن الأکثر تضررا لدى افتراق الزوج عن زوجته هی المرأة ، وذلک : أولا : إن الرجل - بحکم قابلیاته الجسدیة الخاصة - یمتلک - عادة - سلطانا ونفوذا وفرصا أکثر فی المجتمع ، وهذه هی حقیقة ساطعة مهما حاول البعض إنکارها عند الحدیث حول المرأة ، ولکن الوضع الاجتماعی وحیاة البشر - حتى فی المجتمعات الغربیة والأوروبیة التی تحظى فیها النساء بما یسمى بالحریة الکاملة ترینا بوضوح - وکما هو مشهود للجمیع - إن الفرص وأزمة الأعمال المربحة جدا هی فی الأغلب فی أیدی الرجال . هذا مضافا إلى أن أمام الرجال إمکانیات أکثر لاختیار الزوجات ، وإقامة حیاة عائلیة جدیدة بینما لا تتوفر مثل هذه الإمکانیات للمرأة ، فإن النساء الثیبات - خاصة تلک التی یصبن بهذه الحالة بعد مضی شطر من أعمارهن ، وفقدان شبابهن وجمالهن - یمتلکن فرصا أقل للحصول على أزواج لهن . بملاحظة هذه النقاط یتضح أن الإمکانات التی تخسرها المرأة بالزواج أکثر من الإمکانات التی یفقدها الرجل بذلک ، ویکون الصداق والمهر - فی الحقیقة - بمثابة التعویض عن الخسارة التی تلحق بالمرأة ، ووسیلة لضمان حیاتها المستقبلیة ، هذا مضافا إلى أن المهر والصداق خیر وسیلة رادعة تردع الرجل عن التفکیر فی الطلاق والافتراق . صحیح أن المهر - فی نظر القوانین الإسلامیة یتعلق بذمة الرجل من لحظة انعقاد الرابطة الزوجیة وقیامها بین الرجل والمرأة ، ویحق للمرأة المطالبة به فورا ، ولکن حیث أن الغالب هو أن یتخذ الصداق صفة الدین المتعلق فی الذمة یکون لذلک بمثابة توفیر للمرأة تستفید منه فی مستقبلها ، کما یعتبر خیر دعامة لحفظ حقوقها ، إلى جانب أنه یساعد على حفظ الرابطة الزوجیة من التبعثر والتمزق ( طبعا هناک استثناءات لهذا الموضوع ، ولکن ما ذکرناه صادق فی أغلب الموارد ) . وأما تفسیر البعض لمسألة المهر بنحو خاطئ ، واعتبار الصداق أنه من قبیل ثمن المرأة فلا یرتبط بالقوانین الإسلامیة ، لأن الإسلام لا یعطی للصداق الذی یقدمه الرجل إلى المرأة صفة الثمن کما لا یعطی المرأة صفة البضاعة القابلة للبیع والشراء ، وأفضل دلیل على ذلک هو صیغة عقد الزواج الذی یعتبر فیه الرجل والمرأة کرکنین أساسیین فی الرابطة الزوجیة ، فی حین یقع الصداق والمهر على هامش هذا العقد ، ویعتبر أمرا إضافیا ، ( طبعا لابد من الانتباه إلى أن على الزوج - إذا لم یذکر الصداق ضمن عقد الزواج - أن یدفع إلى المرأة مهر المثل فی صورة الدخول بها ) . من کل ما قیل نستنتج أن المهر بمثابة جبران للخسارة اللاحقة بالمرأة ، وبمثابة الدعامة القویة التی تساعد على احترام حقوق المرأة ، لا أنه ثمن المرأة ، ولعل التعبیر بالنحلة التی هی بمعنى العطیة فی الآیة إشارة إلى هذه النقطة.[1] ویطلق فی الغرب على نفقة الرجل على بیته من تلقاء نفسه بالحب الحر،مع أن القوانین الغربیة تشرک المرأة والرجل على السواء فی النفقة. إذن فالإسلام یرى أن المهر والنفقة أمور مهمة ومؤثرة فی إحکام عرى الزواج وتأمین رفاه الأسرة،وایجاد الوحدة بین الزوجین؛وان الغاء المهر والنفقة وعلى الأخص النفقة تؤدی الى تزلزل أساس الأسرة. 5.حق اختیار الزوج:الإسلام اتخذ جانب الحکمة فی هذه المسألة إذ: 1.لایحق للأب المسلم أن یزوج إبنته بالإجباروالعقد یبطل فی حالة عدم رضا الفتاة،وقصة هذه الفتاة الذکیة خیر دلیل على ذلک:روی أن فتاة بکرا أتت إلى النبی صلى الله علیه وآله وسلم وقالت : إن أبی زوجنی من ابن أخ له لیرفع خسیسته وأنا له کارهة!! فقال صلى الله علیه وآله وسلم لها : أجیزی ما صنع أبوک . فقالت : لا رغبة لی فیما صنع أبی ! قال : فاذهبی فانکحی من شئت ! فقالت : لست رافضة لما صنع أبی ولکنی أردت أن أَعلم الناس أن لیس للآباء فی أمور بناتهم شی[2]. ب ـإشتراط اذن الولی للحیلولة دون وقوعها برجل قلة الخبرة فی الحیاة فی شرک مخادع[3]: إضافة الى أن المشورة مبدأ إعتمده الرسول (صلى اله علیه وآله)واهل البت رغم بلوغهم قمة الکمال،وأوصوبه فی احادیث عدیدة منها:(من استبد برأیه هلک). فان من الحکمة منع الفتاة ،أو على الأقل عدم تحبیذ زواجها من دون موافقة أبیها لایمکن أن یکون دلیل على أن المرأة قاصرة أو أقل من الرجل فی النضج الإجتماعی؛ اذ لوکان الأمر کذلک لما کان هناک فرق بین الثیب والباکر لتکون الثیب البالغة من العمر 16عاما ً مستغنیة عن موافقة الأب بینما تحتاج البکر البالغة من العمر 18عاما ً الى موافقته. وإذا کان الإسلام یعتبر الفتاة قاصرة عن إدارة أمورها فلماذا أعطى البنت البالغة الرشیدة إستقلالها الإقتصادی وصحح معاملاتها المالیة حتى لو بلغت الملایین دون الحاجة الى موافقة الأب؟ إن هذا الموضوع لایرتبظ بقصور الفتاة وعدم إکتمال نضوجها العقلی ولکنه یتعلق بجانب الترکیب النفسی للرجل والمرأة. فروح الإصطیاد التی یتمتع بها الرجل من جهة وسرعة الإطمئنان التی تتمیزبها المرأة فی المقابل فالمرأة أسیرة المحبة ویمکن أن یأسر قلبها حدیث المحبة خصوصاًإذا کانت قد حرمت منها وربیت على الدونیة لکونها أنثى؛فالفتاة مازالت بکرا ًلم تعرف الرجل عن کثب فانها وبسهولة تصدق حدیث الحب من الرجل بسهولة،یقول علماءالنفس إن خیر جملة یقولها رجل لإمرأة:(عزیزتی إنی أُحبک)! لکن الرسول ذلک العالم النفسانی الإلهی أوضح هذه الحقیقة قبلهم وربما هم استفادوا من قوله :(قول الرجل للمرأة إنی أحبک لایذهب من قلبها أبدا). والرجال المتصیدین یستفیدون من هذا الإحساس الموجود لدى المرأة ویجدون فی جملة:(إنی أموت فی حبک)أمتن شرک لإصطیاد الفتیات.[4] لقد شاهدت بنفسی مصداق ماذکره الشهید مطهری(قدس سره) بنفسی،فبینما کنت أسیر فی باحة الکلیة شاهدت فتاة کانت تقف مع صدیقها وهی تخاطبه بلهجة المستلم المسرور والضاهر أنها التقطت بمعیة أحد الأساتذة صورة شبه جماعیة، واحتفظ الأستاذ بنسخة له،فاذا بالصدیق یثور ویغضب ویمزق نسخة الصورة التی تحتفظ هی بها،فقلت فی نفسی لوکان حقا لدیه شیء من الغیرة علیها لمنعها من التبرج وتمّتع کل ناظر لها بزینتها. ج سقوط ولایة الأب والجد اذاکان المنع خلاف مصلحتها[5]:إنما وضعت ولایة الولی للحفاظ على الفتاة والحیلولة دون دمار مستقبلها فالفتاة أمانة فی بیت أهلها،وعلى الأهل مراعاة مصلحة إبنتهم فی انتقاءالزوج اللائق والکفؤ،فاذا کان المتقدم لخطبتها ذو صفات حسنة فعلى الأهل عدم الوقوف أما مستقبل إبنتهم فالحیاةالزوجیة فرصة للتکامل والسمووهوأسمى من أن ترکب الفتاة سیارة أو تبدل نقالها بآخر أرقى؛وإذا منعوها من الزواج طمعا ًفی راتبها وهومنفعة مؤقته قد یسبب طمعهم هذا ندامة کبیرة؛وهم بهذا یساهمون فی منع استقامة الشباب وحصولهم على الحب والعاطفة بالکیفیة التی أرادها الله تعالى. یبقى سؤال یطرح نفسه من هو الکفؤ؟هل هو الجمیل الذی عندما تمشی زوجته معه تحسدها علیه کل بنات حواء؟أم هو صاحب المنصب الذی ینحنی له الجمیع؟أم هو صاحب السلالة التی یفاخر بها وهو لایحمل أی محتوى؟أم هو صاحب السیارة الفارهة التی کانت أمنیة رکوبها فی مخیلة کل زمیلاته فی الجامعة ؟ لذا على الأهل والذین لهم دور کبیر فی رسم مستقبل الفتاة تربیتها على الکمال المعنوی حتى ان القرآن الکریم طمأن الولی بقوله (إن یکونوا فقراء یغنهم الله من فضله) فالسخاء یجتمع مع قلة ذات الید والطمع والشحة مع الثروة وربما یکون سببا ًلها ؛ فإن الخطأ فی تشخیص الکفؤهو الذی سبب المشاکل وربما أدى الى الطلاق،الکفؤالذی لم یترکوا أهل بیت الرحمة تعریفه وإنما نحن ترکنا إطلاع واتباع أقوالهم؛فعن الصادق علیه السلام الکفؤ أن یکون عفیفا وذا یسار.فی الحلقة القادمة سوف تنحدث عن شبهات حول ماللمرأة فی الإسلام من خصوصیات تکلیفیة کالحجاب،وماکان ذریعة للتشبث بالقول بان الإسلام ینظر الى المرأة بدونیة کقیمومیة الرجل علیها .
[1] الشیخ ناصر مکارم الشیرازی ،الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل - - ج 3 - ص 103 - 105 [2] الشیخ الأنصاری کتاب النکاح - - ص 121 [3] مسألة 67 : لا ولایة للأب ولا الجد للأب على البالغ الرشید ، ولا على البالغة الرشیدة إذا کانت ثیبا ، وأما إذا کانت بکرا فإن کانت مالکه لأمرها ومستقلة فی شؤون حیاتها لم یکن لأبیها ولا جدها لأبیها أن یزوجها من دون رضاها على الأقوى ، وهل لها أن تتزوج من دون إذن أحدهما ؟ فیه اشکال فلا تترک مراعاة مقتضى الاحتیاط فیه . وأما إذا کانت غیر مستقلة فی شؤون حیاتها فلیس لها أن تتزوج من دون إذن أبیها أو جدها لأبیها على الأظهر ، وهل لأبیها أو جدها لأبیها أن یزوجها من دون رضاها ؟ فیه اشکال فلا تترک مراعاة مقتضى الاحتیاط فیه منهاج الصالحین - السید السیستانی - ج 3 - ص 28 [4] نظام حقوق المرأة فی الإسلام ص66. [5] :یسقط اعتبار اذن الاب أو جد الأب فی نکاح الباکرة الرشیدة اذا منعاها من الرزواج بکفئها شرعا ًوعقلا ًواعتزالاالتدخل فی أمر زواجها مطلقا ... وکذا إذا لم تتمکن من استئذان أحدهما لغیابهما مثلا فإنه یجوز لها الزواج حینئذ مع حاجتها الملحة إلیه فعلا من دون إذن أحدهما.مسألة69 - منهاج الصالحین - السید السیستانی - ج 3 - ص 28
| ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,819 |
||