مراسیم إحیاء شهر رمضان المبارک فی مصر من أعرق | ||
مراسیم إحیاء شهر رمضان المبارک فی مصر من أعرق الشعائر ابرار صالح لایبدأ شهر رمضان إلا إذا ثبتت رؤیة الهلال فی الیوم التاسع والعشرین من شهر شعبان، فإن لم تثبت أتم المسلمون فی جمیع أنحاء العالم الإسلامی شعبان ثلاثین یوماً، ولرؤیة هلال رمضان فی مصر طقوس قدیمة خاصة یعود تأریخها إلى بدایة دخول الإسلام إلى مصر، وما زالت تُمارس حتى الآن وهی ((موکب الرؤیة)). وموکب الرؤیة فی الماضی کان یبدأ من حی الحسین (علیه السلام) حیث یتجمع الشیوخ والأئمة والعلماء ومعهم قاضی القضاة إذ یصعدون إلى القلعة وجبل المقطّم لیتمکنوا من رؤیة الهلال، فإذا رأى أحدهم خیطاً رفیعاً فی السماء فهو خیط الهلال أی بدایة شهر الصیام بعد ذلک یعود الموکب وهو یُضیء الفوانیس التی یسیرون بها فی الشوارع والأزقة إعلاناً لثبوت الرؤیة وإیذاناً بأن غداً صیام، وبالطبع یختلف المشهد الأن عن الماضی نظراً لإختلاف الزمان، وإن کان هذا لایمنع على الإطلاق وجود ((موکب للرؤیة)) حتى الآن یطوف شوارع القاهرة وأحیائها الشعبیة فی منطقة السیدة زینب (علیها السلام) وحی الحسین (علیه السلام). ومنطقة خان الخلیلی والموسکی والقاعة. وفی هذه اللیلة المبارکة لا تنام القاهرة ولا یغمض لها جفن حیث تزدحم الشوارع بالمارة وتکتظ الأحیاء ذات الطابع الإسلامی بالزوار، ویتبارى الشباب والفتیان فی المناطق والأحیاء الشعبیة المصریة فی تزیین الشوارع والأزقة بالأعلام والأوراق المزرکشة الملونة وفی تعلیق عدد من الأشکال الزخرفیة ذات الألوان الجمیلة کالفوانیس الضخمة المضاءة بالکهرباء او النجمة او الهلال إحتفالاً بقدوم شهر رمضان الکریم. العادات الفاطمیة وقد إکتسب المصریون فی رمضان عادات وتقالید لا تنسى، وما زالوا یحتفظون بها منذ عصر الفاطمیین الذین جعلوا من شهر رمضان موسماً کریما للبذل والعطاء، حتى إن الشعراء قدیماً کانوا یتنافسون، لا فی إظهار مشاعرهم نحو هذا الشهر المبارک، وإنما فی الحدیث عن مباهج رمضان وخیراته. وقد بلغ من إهتمام الفاطمیین برمضان ان أنشأوا له فی مصر وزارة مهمتها تقدیم الخدمات للشعب وخصصت مکاناً کبیراً لها أسمته ((دار الفطرة))، وکانت دارالفطرة هذه تقدّم للناس الحلوى والفطائر والیامیش طوال شهر رمضان. وما زال المصریون حتى الان یتمسکون بهذا الأسلوب فی العطاء والبذل بسخاء طوال أیام رمضان وذلک إستمراراً لما جرت علیه العادة من قدیم الزمان. فانوس رمضان ومن العادات التی یتمسک بها المصریون منذ عهد الفاطمیین حتى الآن ،((فانوس رمضان)). والفانوس جهاز یقی مصدر الضوء من الریح أو المطر، وفی صدر الإسلام کانت الفوانیس تُستعمل للإضاءة لیلاً، ولم یتشکل الفانوس فی صورته التی نراها علیه الیوم فی أیدی الأطفال إلا فی نهایة القرن الماضی، وقد عرف المصریون فانوس رمضان من یوم دخول المعز لدین الله الفاطمی القاهرة، وکان ذلک فی الخامس من رمضان عام 358 هجریة، حیث إستقبله أهل القاهرة لیلاً فی موکب کبیر إشترک فیه رجالها ونساؤها وأطفالها حاملین المشاعل والفوانیس مردّدین الهتافات والأناشید . وبعد أن کانوا یستعملون الفوانیس فی الإضاءة لیلاً، حملها الأطفال بعد الإفطار یطلبون بها الهدایا... وأخذت هذه العادة تتأصل فیهم یوماً فیوماً حتى أصبح الفانوس ملتصقاً برمضان وأصبحت هذه هی لعبة الأطفال الاثیرة یفتنون بها ویعدّون لها الأناشید. وبدأ الصنّاع بعد ذلک یتفننون فی إخراج هذه الفوانیس فی أشکال هندسیة بدیعة یستعملها الناس فی لیالی رمضان وخصوصاً الأطفال. وأصبح الفانوس ملتصقاً بما ینشده الأطفال الذین یطالبون بهدایا رمضان ... وعلى الرغم من أن صناعة الفوانیس أصبحت من أقصر الصناعات عمراً حیث تعیش شهراً واحداً لتموت بقیة العام فلم تعد تستعمل کما کان الحال قدیماً فی الإضاءة لیلاً، فإن شارع تحت الربع بالقاهرة لایزال عامراً بالمتفننین بهذه الصناعة، حتى إن الفوانیس المتداولة خلال شهر رمضان تقرب من ثلاثمائة ألف فانوس، وإن إختلف شکل الفانوس عن الماضی فهو یأخذ أشکالاً حدیثة، ولم یعد یعتمد على الشمع فقط لإضاءته، بل دخلت فیه الکهرباء التی تضیئه بلمبة صغیرة ذات ألوان جمیلة تبهر الأطفال وتجعلهم یتعلقون بالفانوس أکثر. ولا یزال ریف مصر على عهده ... وما زالت له عاداته وتقالیده القدیمة، فلا یکاد الناس ینتهون من طعام الإفطار الذی یتناولونه فی الغالب أمام منازلهم فی الهواء الطلق، حتى یخرج الأطفال بفوانیسهم یجوبون حارات القریة ودورها مرددین أغانی رمضان التی أخذت فی التطور. ومن معالم رمضان فی قاهرة إقبال الناس على تناول الکنافة والقطائف وأنواع الحلوى التی إبتدعها الفاطمیون، والتی ما زال المصریون یتمسکون بها فی شهر رمضان حتى أصبحت أحد معالمه المشهورة، فتجد المحلات وقد إنتشرت فی کل مکان لإعداد هذه الأنواع من الأطعمة الرمضانیة التی یتناولها الصائمون بعد الإفطار، وقد تطورت صناعة الکنافة والقطائف هی الأخرى فلم یعد هناک الرجل صانع الکنافة بکوبه المثقوب وهو یشکّل خیوطها فی شکل دائری، فقد حلّت الآلة محل صانع الکنافة الیدوی. المرأة المصریة والبرامج الرمضانیة تتمیز المرأة المصریة فی هذا الشهر بوفرة البرامج المملؤة بالروحیة والعطاء، فهی تجعل من شهر رمضان شهر الإنطلاق والتجدد ،شهر التزوّد والعودة إلى المنابع والأصول لشحذ الهمة وبُعد التطلع فهی من أکثر الناس بذلاً للجهود طوال شهر رمضان، فهی تقسّم أوقاتها مع البرامج الرمضانیة بشکل مرنٍ، فهی تقضی معظم النهار فی أیام رمضان داخل المطبخ لإعداد الأکلات والمشروبات المرتبطة إرتباطاً وثیقاً بشهر رمضان الکریم.. وتتفنن کل سیدة فی إعداد الکثیر من أنواع الأطعمة والحلوى التی تحفل بها مائدة رمضان، فإلى جانب الکنافة والقطائف المعدّة بالزبیب والفستق وشراب السکر، هناک أیضاً القطائف المحشوّه باللحم المفروم وکذلک نجد قمرالدین المُثلج مشروب رمضان المفضل دائماً عند المصریین، والخشاف الذی یصنع من فواکه الموسم إلى جانب مشروب الکرکدیه والتمر الهندی.. أضف إلى ذلک بقیة الأوقات التی تحتل فیها البرامج الروحیة والندوات التثقیفیة والمحاضرات الدینیة القسم الأکبر. المسحراتی وحدوا الله یا عباد الله إصح یا نایم وحّد الدایم هذا النداء الجمیل الذی یطرق القلوب والأسماع فی الهزیع الأخیر من کل لیلة من لیالی رمضان ،یوقظ النائمین لیتسحروا إنه نداء المسحراتی، الذی یمسک فی یده طبلة صغیرة یدق علیها بقطعة من الجلد بعد منتصف اللیل بقلیل .... یجوب الشوارع منادیاً على الصائمین أن حان وقت السحور فتسحروا، ویظل المسحراتی یجوب شوارع المدینة طوال لیالی شهر رمضان. وأول من صاح فی مصر بالتسحیر فی الطرقات والشوارع هو والی مصر عتبة بن أسحق عام 238 هجریة، فکان یخرج بنفسه ویسیر على قدمیه من مدینة العسکر فی الفسطاط حتى الجامع ، وکان ینادی فی طریقه بالسحور صائحاً: ((عباد الله تسحّروا ففی السحور برکة)) وأهل مصر هم أول من تسحروا على الطبلة، ومن عادات وتقالید رمضان أن یمرّ المسحراتی ،ینشد المواعظ ویوقظ سکان الدار فرداً منادیاً علیهم بأسمائهم. وما زالت هذه العادة موجودة حتى الآن فی الأحیاء الشعبیة بالقاهرة، وفی ریف مصر حیث یدور المسحراتی یدق على طبلته الشهیرة داعیاً الجمیع إلى السحور. مدفع الإفطار وفی مصر عادة رمضانیة شهیرة لیست موجودة فی أی بلد إسلامی آخر وهی إنطلاق صوت المدفع قبل الإفطار بدقائق قلیلة معلناً للصائمین فی القاهرة أن وقت الإفطار قد حان ... وینطلق المدفع مرة ثانیة بعد السحور معلناً بدء الصیام من جدید، وقد کان هناک أربعة مدافع توضع فی أماکن متفرقة: مصر الجدیدة ـ القلعة ـ حلوان ـ العباسیة، ثم مع إزدحام القاهرة ،وضعت جمیعها فی مکان واحد هو القلعة، ونظراً لبعد المکان الذی وضعت فیه هذه المدافع یقوم التلیفزیون المصرى بنقل صور حیة لإنطلاق مدفع الإفطار یومیاً على الهواء ... وبعد إنتهاء رمضان یطلق المدفع 21 طلقة یومیاً طوال عید الأضحى المبارک. سهرات رمضان وهکذا لایختلف شهر رمضان فی مصر کلها الآن عن رمضان أیام الفاطمیین وبدایة الإسلام حتى الآن فی مصر ... فما زالت نفس العادات والتقالید المتوارثة هی المتتبعة حتى الآن، وما زالت عادة السهر فی لیالی رمضان موجودة حیث یخرج أهل القاهرة کل لیلة ویتوجهون إلى الأماکن ذات الطابع الإسلامی العریق فیقومون بزیارة حی السیدة زینب (علیها السلام) وحی سیدنا الحسین (علیه السلام) وحی السیدة نفیسة رضی الله عنها ویتوجّهون لزیارة الأضرحة والصلاة داخل المساجد التی تکتظ طوال شهر رمضان بالمصلین والساجدین العابدین ... وینتشر الناس فی المنطقة فمنهم من یسیر فی حی خان الخلیلی متفرجاً على المصنوعات النحاسیة والفضیة الدقیقة التی تشتهر بها المنطقة، ومنهم من یسیر فی حی الموسکی لشراء لوازمه وما یحتاجه طوال شهر رمضان، وهناک من یتوجه لمنطقة الصاغة لرؤیة المشغولات الذهبیة ذات الطابع الإسلامی ... بالإضافة إلى من یجلسون على المقاهی الشعبیة المنتشرة فی الحی وأشهرها قهوة الفیشاوی بحی الحسین (علیه السلام) التی یتجمع فیها عدد کبیر من الزائرین والأجانب فی کل لیلة من لیالی رمضان ویسهرون فیها حتى صلاة الفجر، مفضّلین تناول طعام السحور فی المطاعم المنتشرة بالمنطقة والصلاة فی مسجد الإمام الحسین او السیدة زینب (علیها السلام ). الله أکبر کبیراً ... والحمد لله کثیراً وهکذا یمضی رمضان بطقوسه وعاداته وتقالیده التی یحفظها المصریون عن ظهر قلب ویمارسونها بفرحة وسعادة غامرة منذ قرون مضت وحتى الآن، إلى أن یوشک الشهر الکریم على الإنتهاء، فینتهی من حیث بدأ... ای بموکب الرؤیة .. ولکن هذه المرة لرؤیة هلال شوّال، فإن لم یظهر فصوم یوم آخر لیکتمل رمضان ثلاثین یوماً ...وإن ظهر الهلال فهو إیذان بإنتهاء رمضان وبدایة الإحتفال بعید الفطر ... وهو من أشهر أعیادنا نحن المسلمین حیث یجیء بعد آخر یوم من أیام رمضان، یخفّ فی فجره الناس إلى المساجد مهنئین بعضهم بعضاً یؤدون صلاة العید فرحین مستبشرین وهم یرددون فی رهبة وخشوع: الله اکبر، الله اکبر، الله اکبر لا إله الا الله الله أکبر کبیراً والحمد لله کثیراً وسبحان الله بکرة وأصیلاً لا إله الا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده ... وکل عام وأنتم بخیر.
* تتمیز المرأة المصریة فی هذا الشهر بوفرة البرامج المملؤة بالروحیة والعطاء، فهی تجعل من شهر رمضان شهر الإنطلاق والتجدد ،شهر التزوّد والعودة إلى المنابع والأصول لشحذ الهمة وبُعد التطلع فهی من أکثر الناس بذلاً للجهود طوال شهر رمضان،
* إن ظهر الهلال فهو إیذان بإنتهاء رمضان وبدایة الإحتفال بعید الفطر ... وهو من أشهر أعیادنا نحن المسلمین حیث یجیء بعد آخر یوم من أیام رمضان، یخفّ فی فجره الناس إلى المساجد مهنئین بعضهم بعضاً یؤدون صلاة العید فرحین مستبشرین. | ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,860 |
||