والعالم الإسلامی یعیش مآسٍ عدیدة : یحلُّ شهرالمغفرة على الأمّة من جدید | ||
والعالم الإسلامی یعیش مآسٍ عدیدة : یحلُّ شهرالمغفرة على الأمّة من جدید
إلهام هاشم یستقبل العالم الإسلامی هذه الأیام شهر رمضان المبارک، شهر العفو والرحمة، شهر التقوى والمغفرة، شهر الوصال بین النفس المؤمنة وخالقها العظیم. ومهما تکن أعباء المسلم وهمومه فإن حلول الشهر المبارک یفتح النفس ویرفع الروح إلى حیث الرحمة والصفاء والعشق الالهی. فإذا بالمهموم یجد نفسه فی راحة من البال لأن أبواب السماء المفتوحة للمؤمنین تزیل الغلّ والرَین من القلب، فیصبح المرء معها فی نقاء کامل. یحلّ علینا شهر رمضان المبارک ضیفاً عزیزاً، ویستقبله المسلمون فی شرق الأرض وغربها بقلوب منفتحة على الإیمان والعبادة ومتطلعة لیوم الإنتصار الکبیر حینما تلقی دوحة الإسلام بظلالها الوارفة على حیاة الناس فیرتبطون فکراً وروحاً بالملکوت الاعلى. ومع ان هذه لیست المرة الاولى التی نستقبل فیها شهر الله. فان الشعور الذی یخالج نفس المؤمن وهو یستعد نفسیاً وعملیاً للإمتناع عن الأکل والشرب ثلاثین نهاراً کاملة، شعور متمیز یضفی على الحیاة الطابع الرمضانی الأصیل الذی إعتاده المسلمون خلال القرون الماضیة . وهذا الطابع ربما لانستطیع وصفه بالکلمات ولکنه ینعکس شانأً عملیاً فی حیاة الفرد والمجتمع حتى لیشعر الجمیع بأنهم یعیشون عالماً آخر وحیاة مختلفة عما إعتادوه، وحتى لینعکس هذا الشعور حزناً بعد انتهائه. رغم ذلک فإن هموم الإنسان ومشاکله تظل تضغط علیه، وخصوصاً إذا کان کل ما حوله من شؤون وقضایا لاتبعث إلا على الیأس والأسى، ویطلّ شهر رمضان الکریم هذا العام وأمّة المسلمین تقف على مفرق طرق من جدید، فقد تداخلت الأمور حتى أصبح المسلم لایقوى على التفریق بین ما هو غث وما هو سمین. وحین یکون التفاهم بین المسلمین غیرممکن إلا بلُغة القوة والدم، حینها لایکون بمقدور احد منهم القول بأن الأمّة تسیر إلى خیر، وحین یکون الأعداء هم الحکم والفیصل وهم القضاة فی ما بینهم، فلیس هناک مجال إلا للأسى، نقول ذلک وتجربة الأعوام الماضیة ماثلة أمامنا، فضجیج الإختلاف ما یزال یصم الأسماع فقد إنشق المسلمون على أنفسهم ولم یعد هناک حرج من الإحتماء بالأعداء أو الجهر بالإنتماء إلى غیر المسلمین فی المواقف السیاسیة، والمشکلة أن هذه المواقف کثیراً ما تعطی صفة التدیّن والبُعد الشرعی. وشهر رمضان المبارک هذا العام یأتی بعد أن مرّت أمّة المسلمین، بإنتفاضات وثورات أسقطت أعتى الانظمة فی العالم العربین کنظام مبارک فی مصر، ونظام معمر القدافی فی لیبیا، والنظام الیمنی، ومازال الشعب البحرینی الجریح یئن من قمع آل خلیفة، وماتزال الامة الاسلامیة تمر بفترة من أحلک اوقاتها، حیث جرت الدماء بین أبنائها وتعمّقت الخلافات فی ما بین أفرادها. فمنذ دخلت الأمة فی حلقة مفرغة من الحوار والجدل لم یتوقف حتى الیوم،إحتلت امریکا أرض العرق وافغانستان ولم تتوقف المهاترات، ولم ینته الجدل، بل عاد التوتر إلى أشدّ ما یمکن ان یکون علیه، واصبح المسلمون یتلمسون مواقعهم فی العتمة الکبیرة التی أطبقت على المنطقة. ولاشک إن حلول شهر رمضان سیوفّر ظرفاً جدیداً لإطمئنان الروح وهدوء الضمیر. ففی أیام هذا الشهر ولیالیه، سیجد المسلمون هذا العام أن هناک حاجة کبیرة للرجوع إلى الله والتلذذ بالعبادة وقراءة القرآن لیستطیعوا مواجهة الصعاب والمشاکل والأحزان التی تعصف بصفوفهم مجدداً، ولیس هناک موعد آخر للتقرب إلى الله أفضل من شهر رمضان الذی أنزل فیه القرآن هدى للناس وبینات من الهدى والفرقان. وحیث أن المسلم یعلم إن أبواب الرحمة مُفتّحة للمؤمنین، فإنه سیجد نفسه مندفعاً نحو الله طالباً الرحمة والعفو والمغفرة، وسیجد نفسه ساعیاً لتحقیق القربى من الله بعد أن أتعبته الدنیا وهمومها، وأصبح مستهدفاً من قبل قوى الشیطان فی شرق الأرض وغربها. هذه القیم الروحیة لشهر رمضان المبارک هی التی تجعل المسلمین یستعدّون لإستقبال الشهر الکریم بالحفاوة والأمل، وهی التی تجعل موعد اللقاء معه ذا أهمیة متمیزة، حتى لیشعر الإنسان إن علیه أن یغیّر من نمط حیاته مادیاً وأخلاقیاً. فهو مدعو لترتیب حیاته بشکل یمکنه من تحقیق أداء الصوم بشروطه لیحظى بالقبول، ومطلوب منه أن یمارس محاسبة ذاتیة تمنعه من إرتکاب المحرمات، فلا یکذب ولایزنی ولایفحش فی القول ولایتقوّل على الله ورسوله، ومطلوب منه أن یتذکر آداب الصوم لیتجسد التضامن والتکافل فی شخصیته وبعد هذا ألیس رمضان شهر متمیزا؟ وفی مثل هذه الظروف ألیس هذا الشهر الکریم مناسبة یتحرک المسلمون فیها لإستعادة المواقع الروحیة الضائعة فی خضم المتاهات السیاسیة والخلافات الجانبیة؟ لنجعل هذا الشهر منطلقاً سلیماً فی صراعنا الحضاری مع أعداء الأمّة الاسلامیة، وذلک بمضاعفة السعی والجهد من أجل تحقیق مکاسب وإنجازات حضاریة یکون لها دور حاسم فی تقدم وبناء الأمة حضاریاً. والمناسبات الاسلامیة محطات للتعبئة الشاملة للأمّة، وشهر رمضان هو إحدى هذه المحطات المقدسة التی تهیء النفوس لمزید من البذل والعطاء المبارک فی الشهر المبارک، ولعل ذلک یعود الى ان الشهر الکریم یثیر فی الأمّة موجة من التساؤل والالتفات والتفکیر نحو الدین. والمفروض فی کل شهر رمضان یأتی على الأمّة ثم یغادرها، ان تغادر معه السلبیات الأخطاء التی توجد فی اجواء الأمّة، وان یرتفع بعده مستوى ادراک الأمّة ووعیها، وتتقوى ارادتها، وتتشجع اکثر على الاسراع فی المسیر، یقول الرسول "صلى الله علیه وآله وسلم" وهو یتحدث عن دور شهر رمضان فی حیاة الأمة وتأثیره علیها: ((إن شهر رمضان شهر عظیم یضاعف الله فی الحسنات، ویمحو فیه السیئات ویرفع فیه الدرجات)). ولابد لکل مسلم ان یتوقف عند أبواب هذا الشهر متإملاً، متفکراً فی معانیه السامیة، وأهدافه التشریعیة المقدسة، لیتسنى له الأستفادة القصوى من هذا الشهر الکریم. والسؤال الملح الذی یراود ذهن کل انسان مسلم، کیف نحول شهر رمضان الى بؤره حضاریة فی حیاة الأمة؟ وکیف نجعله منطلقاً سلیماً؟ وللإجابة على هذا السؤال لابد من القول: ان الدین الإسلامی هو الحیاة بکل ابعادها وشمولها وحیویتها. ان الدین هو الحیاة ولایمکن الفصل بینهما. لأن الفصل بینهما یعنی الفصل بین الشیء ونفسه وهو محال. فالحدیث بالتالی عن شهر رمضان هو حدیث عن الاسلام بکل جوانبه وآفاقه المختلفة لأن شهر رمضان جزء لایتجزأ من مکونات الاسلام العقیدیة الشاملة. فشهر رمضان فی الواقع الاسلامی لیس عطشاً وجوعاً، فقط .. بل تحدّ وارادة. وشهر رمضان وان کان عبادة وصلاة ولکنه ایضاً فعل حضاری واسع ممنهج .. وعلى کل حال .. اذا أردنا به تحوّل شهر رمضان الى بؤرة حضاریة لابد من الترکیز على المواد التالیة: أولاً: شهر البناء والتغییر: قال تعالى: ((یا أیها الذین آمنوا کتب علیکم الصیام کما کتب على الذین من قبلکم لعلکم تتقون)). ولاشک ان الهدف الربانی من تشریع الصیام فی شهر رمضان، هو الوصول الى مدارج الکمال البشری والانسانی، وهذا لایمکن ان یتحقق الا ب(لعلکم تتقون) فالتقوى هی الوسیلة الوحیدة التی تستطیع انتشال البشریة من الحضیض وجعلها تعیش فی قمة الکمال الانسانی.
وهکذا نستقبل شهر رمضان المبارک وقلوبنا منفتحة علیه وعلى أجوائه وعلى ما یعنیه الصوم لنا من برنامج تربوی متکامل تُستعمل فیه الحوافز المادیة والروحیة ویُلتزم فیه بالسلوک المتمیز بالإنضباط والإنقیاد للأوامر العلیا والإرتباط بمرکز القوة ومصدر العطاء. وشباب الأمة مطالبون بوعی رسالة الصوم وهم یستقبلون شهراً هو ((من أعظم الشهور وأیامه من أفضل الأیام ولیالیه من أفضل اللیالی)) حسب ما جاء فی خطبة رسول الله علیه أفضل الصلاة والسلام. فلیس هناک من فرصة للتربیة العملیة کالفرصة التی یوفرها شهر رمضان الکریم. نبارک للمسلمین حلول هذا الشهر المبارک وندعو الله سبحانه وتعالى أن یوفق الجمیع لصیامه وقیامه فی لیالیه وأیامه. إنه سمیع مجیب الدعوات.
| ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,357 |
||