کیف استباح الاعلان أجساد الفتیات؟ | ||
کیف استباح الاعلان أجساد الفتیات؟ هدى العلی تقول إحداهن: " الله یخزیهم" وهی تهزّ رأسها بأسف من رؤیة اعلان مرطب البشرة الذی شاهدته فی التلفزیون، وظهرت فیه فتاة تسبح تحت الماء وقد التصقت ملابسها بجسدها مظهرة تفاصیله بکل دقة.
وتؤکد هذه المرأة ان "المسألة تجاوزت حدّها" فی اشارة منها الى مثل هذا النوع من الدعایات السخیفة والخادشة للحیاء، والذی یستعین بالمرأة للترویج للمنتجات المختلفة .بهذه الطریقة المبتذلة التی لم تکن تُعرف قبل دخول الفضائیات الى البیوت ، وبالشکل الذی یجعل جسد المرأة اداة للوصول الى الغایة التجاریة البحتة . وحتى ما قبل نحو عشرین عاما سبقت، کان حجم الاعلان فی المحطات التلفزیونیة فی حینها صغیرا الى حد ما، ویخضع لشروط واعتبارات اخلاقیة معینة. والامر ذاته یصدق ایضا على العدد المحدود من الصحف والمجلات التی کانت متوفرة فی الاسواق فی ذلک الوقت. غیر ان الامور تغیرت مع تزاید الحریات، حیث انتشرت صحون البث التلفزیونی الفضائی على اسطح اکثرالبیوت، وازداد عدد الصحف والمجلات واصبح بالمئات، وفُتح الباب لدخول عشرات الصحف والمجلات الاجنبیة الهابطة. وتزامن هذا الانفتاح مع نمو متزاید للاستثمارات التی صارت تبتکر شتى الاسالیب لترویج منتجاتها، سواء فی الاعلام المرئی او المقروء، او الشوارع التی امست مملوءة بالاعلانات التی تبرز فتیات جمیلات لتعزیز عملیة التعریف بالسلع المُقرّر ترویجها. وتتذکر هذه المرأة تلک الایام حینما کانت الاعلانات فی التلفزیون والصحف محترمة ورصینة الى حد ما بل وساذجة فی بعض الاحیان، لکنها کانت تفی بالغرض الغرض ولا تخدش الحیاء کما هو حاصل الیوم، حیث یشعر المرء بالحرج لدى بث بعض الدعایات السخیفة والمبتذلة مع وجود الجالسین من الزوج والابناء. خاصة وان بعض هذه الدعایات وصلت بها الوضاعة الى حد الترویج للمسائل النسائیة ومزیلات الشعر والمنشطات الجنسیة. وبالنسبة لمجتمعات محافظة کالمجتمعات الاسلامیة، فان هذا الشکل من الدعایات التی تقدمها فتیات بملابس قصیرة تکشف جزءاً واسعاً من اجسادهن، یُعدّ خادشاً للحیاء الى حد کبیر. ویتهکم احدهم دعایات هابطة تظهر فیها حسناوات یُروجن لمنتجات لا علاقة لها بالمرأة البتة. فهناک مثلاً اعلان عریض لاطارات سیارات یتم لصقه على الحافلات وتظهر صورة الاعلان حسناء بملابس مثیرة جداً وهی تتکئ على الاطارات ولا یدری احد ما علاقة هذا بذاک؟. ولا شک ان الهدف من ظهور الفتاة الحسناء هو جلب الانتباه للاطارات فحسب، وهذا عیب شدید یقلل من قیمة المرأة ویحیلها الى اداة رخیصة لتسویق المنتجات والبضائع. فتاة فی الثامنة والعشرین تعمل فی احدى الوکالات المتخصصة باعداد الاعلانات التلفزیونیة، تؤکد ان الشرط الاول للحصول على الوظیفة فی تلک الوکالة هو اتقان اللهجة اللبنانیة، او وتقمّص شخصیة فتاة لبنانیة تتحدث بشکل مثیر، وضرورة ان تتلون الفتاة بحرکات مخجلة والتحدث باصوات مثیرة وغانجة، حتى یتم قبولها فی اعداد الاعلانات التلفزیونیة. النساء المحافظات لسن وحدهن من یشعر بالاستیاء من هذا النوع من الاعلانات المبتذلة، الا ان ناشطین یمتلکون وعیاً محافظاً قرروا، التحرک واطلاق حملة واسعة لمکافحة استغلال الفتیات فی الإعلانات التجاریة. وینتقد البعض ترسیخ مفهوم خاطىء ومشبوه یدعو الى أن المرأة اصبحت رمزاً للجسد والإغراء الجنسی والمعاییر الاستهلاکیة غیر المحتشمة فی مجال الاعلان ولا یمکن الاستغناء عنها ابداً. ویعتبر هؤلاء ان علاج ظاهرة انتشار صور النساء فی الإعلانات بهذا الشکل ینبغی أن یتم من خلال تشریعات فعلیة أو قرارات من جانب الجهات الحکومیة تحول دون ظهور النساء فی الإعلانات بهذا الاسلوب المبتذل، ووضع ضوابط اجتماعیة وأخلاقیة لمشارکة المرأة فی الإعلان بما یحفظ أخلاقیات وآداب المجتمع، ویصون للنساء کرامتهن وإنسانیتهن ومکانتهن الروحیة، ویحقق المنفعة لعامة الناس.
ودراسة اجراها خبیر اعلامی، قامت برصد مئة إعلان تلفزیونی تمَّ بثها من مختلف القنوات التلفزیونیة فی یوم واحد فقط. واشار احد الباحثین الى إعلانات یستطیع المشاهد العربی والمسلم، الاطلاع علیها أیضا عبر البث الفضائی احدها عن صابون، تظهر فیه المرأة شبه عاریة فی الحمام، وإعلان عصیر تبرز فیه فتاة تبدو مرغوبة من شباب مع أداء فیه إثارة، وإعلانات (..) یظهر فیها دوماً مجموعة فتیات بملابس غیر محتشمة کوسیلة جذب للشباب. ویذکر الباحث فی دراسته، فحوى الرسالة التی یعرضها الإعلان التلفزیونی عن المرأة حیث تؤکد النتائج أن المرأة ظهرت کشخصیة اساسیة فی 70%من الإعلانات، لکن تم الاعتماد علیها کأنثى ووسیلة اغراء 40%، بینما اُستغلت کوسیلة جذب فی 50%، وکامرأة مستهلکة لأدوات التجمیل والامور الکمالیة فی 35%.
واوضحت دراسة اخرى اعدها باحث مصری، ونشرتها مجلة " العلوم الاجتماعیة"، ان مصر تُعدّ من البلدان القلیلة التی یزید فیها عدد النساء على عدد الرجال فی الإعلانات التلفزیونیة، وذلک بالمقارنة مع دول متقدمة، تزید فیها نسبة ظهور الرجال فی الاعلانات على النساء. واظهر الباحث، ان المرأة یتم تصویرها فی الاعلانات فی اکثر الاحیان داخل المنزل حیث تقوم بالترویج عن منتجات تستخدم فی المنازل، بعکس الرجل الذی یروج لمنتجات ذات استخدامات خارجیة. کما لمس الباحث ان النساء المستَخدمات فی الاعلانات هُنّ فی الکثیر من الاحوال، فتیات صغیرات وانهن اصغر کثیراً من الرجال الذین یظهرون فی الاعلانات ولیس شرطاً ان یکونوا شباباً. واوضحت دراسة اخرى اجریت من قبل کلیة التربیة بجامعة القاهرة حول "صورة المرأة فی الاعلانات التلفزیونیة المصریة" ان 97% من الاعلانات تستخدم المرأة، وترکّز على ملامحها الانثویة کالجمال واللفتة والابتسامة، مع العلم ان الاعلانات هذه تروج منتجات وسلعاً لیست بالضرورة ترتبط بالمرأة، وتقع ضمن إهتماماتها. واشارت دراسة جدیدة للمرکز العربی للمصادر والمعلومات حول العنف ضد المرأة، الى ان هناک ترکیزاً مکثّفاً على استخدام المرأة فی اعلانات معظم القنوات المشهورة. وفی تصریحات لخبیر اجتماعی کبیر واستاذ فی تشریعات التنمیة الاجتماعیة والاقتصادیة ان هناک استغلالا مؤسفاً للفتیات البریئات اللاتی یظهرن فی تلک الاعلانات وهنّ یتمایلن بمیوعة ویرقصن بلااحتشام، ومعظمهن من الباحثات عن المال او الشهرة او یتطلعن لأن یصبحن نجمات سینمائیات فی المستقبل. ویردف قائلاً ان هذا الاستغلال یهدف لتسلیع المرأة من خلال بیعها او بیع ملامح وجهها ومفاتن جسدها الى جانب بیع السلعة المُعلن عنها، والتی قد تتحول الى ظل یجسّد هذه المرأة المُستخدَمة فی الإعلان. واعتبر الخبیر المذکور ان اغلب الاعلانات التی تعتمد على ابراز مفاتن الفتیات وجمالهن، هی منزلق خطیر ومعاداة صریحة لحریة المرأة وکرامتها واستقلالها، فالمرأة تظهر فی الاعلان کجسد شهی مثیر للشهوات، تُحرکه ایدی اصحاب المنافع المادیة الضیقة من اجل الترویج للسلع الاستهلاکیة عبر دغدغة مشاعر المشاهدین واللعب على وترغرائزهم الهائجة. واکد ان اصحاب الاعلانات یستغلون نقاط ضعف المرأة وخاصة من الجانب الاقصادی، فیغرونها بالمال والامکانات الهائلة لاداء دورها الاعلانی المغری، وذلک فی اطار تجارة خسیسة على شاکلة تجارة (الرقیق الابیض).
ولاشک ان انخفاض المستوى المعیشی یعتبر السبب الاساسی فی اندفاع الفتیات الناشئات نحو العمل فی الاعلانات المنحرفة بحثاً عن المال بأیة وسیلة ممکنة، اضافة الى جهل المرأة التام بحقوقها، وانقیاد الاناث الضعیفات الشخصیة خلف الرجال الأقویاء، فضلاً عن الاعتقاد بأن الشباب والمراهقین ربما تستهویهم رؤیة الفتیات فی الاعلانات اکثر من رؤیة الرجال فی الاعلانات نتیجة لانتشار الکبت الجنسی بین الشباب المتفتح.
| ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,796 |
||